مائدة عيسى السماوية شىء مزهل سبحان الله
عيسى عليه السّلام
بشّرت الملائكة مريم ابنة عمران الصالحة التقيّة العابدة بالولد الذي سيكون لها وهو المسيح عيسى، كما أنّه سيكون رسولاً من الله تعالى إلى بني إسرائيل، وسيكون على علمٍ ودرايةٍ بالكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، ويتصّف بصفاتٍ ليست في غيره، وهو مؤيّدٌ من الله تعالى بالمعجزات، والله تعالى يخلق ما يشاء بالطريقة والكيفيّة التي يريدها، إذ إنّه خلق آدم -عليه السّلام- من ترابٍ دون أمٍّ أو أبٍ، وجعل من ضلعه حوّاء، وخلق عيسى -عليه السّلام- من أمٍّ دون أبٍ، كما أنّ القرآن الكريم بيّن كيفية ولادة عيسى بشكلٍ واضحٍ دون أيّ لبسٍ، ومريم -عليها السّلام- استسلمت لأمر ربها، ونفخ جبريل -عليه السّلام- في جيب درعها، ويسّر لها الله تعالى الماء والشراب، وأمرها بعدم تكليم الناس، ثمّ ذهبت إلى قومها وهي تحمل عيسى -عليه السّلام- فأنكروا فعلها، ولكنّها لم تكلّمهم وأشارت إلى طفلها، فأجابهم عيسى وهو في المهد، ممّا جعل أهل الكتاب يختلفون فيه، فقال البعض منهم عنه: هو ابن الله، وقال آخرون: هو ثالث ثلاثةٍ، بينما ذهبت طائفةٌ منهم إلى القول بأنّه الله، ولكنّ القول الصواب والحقّ؛ أنّه عبد الله ورسوله، وأرسله الله تعالى إلى بني إسرائيل بعد أن أفسدوا في الأرض، وظلموا بها، وأنكروا البعث والحساب والعقاب، وأيّده بكتاب الإنجيل؛ تصديقاً لأحكام التوراة، وبشّر بإرسال محمد صلّى الله عيه وسلّم
مائدة عيسى السماويّة
لم يؤمن بدعوة عيسى عليه السّلام- إلا فئةٌ قليلة من القوم، فناصرته واتبعت دعوته وصدّقته، حيث قال الله تعالى عنهم (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) وأطلق الله تعالى عليهم اسم الحواريين؛ لأنّهم أخلصوا نيّتهم له، وتطهروا من النفاق والخداع والغش، حتى أصبحوا كالشيء الأبيض الخالص الذي لا تشوبه شائبةٌ، وبسبب ذلك اتّبعوا الحقّ، وآمنوا بدعوة رسولهم، دون أن يخافوا أو يهابوا من أحدٍ؛ نصرةً للحقّ ودفاعاً عن دين الله تعالى، فعلمهم بدين الله تعالى كان علماً يقيناً، واعترافهم بربوبيّته كان اعترافاً كاملاً، واستسلموا للأوامر التي أنزلها على الأنبياء وخضعوا لها، وطلبوا منه أن يكونوا من العباد الأخيار، إلا أنّ الذين لم يؤمنوا من بني إسرائيل تآمروا على قتل عيسى عليه السّلام، حيث قال الله تعالى فيهم (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)
ولكنّ الله تعالى أنجاه من مكرهم ومخطّطاتهم وتدابيرهم، وطلب الحواريون من عيسى -عليه السّلام- إنزال مائدة من السماء، حيث قال الله تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ) ورُوي عن عائشة رضي الله عنها أنّهم كانوا على علمٍ بقدرة الله تعالى على إنزال المائدة، ولكنّ عيسى -عليه السلام- طلب منهم الخشية من الله تعالى، وتحقيق التقوى في قلوبهم، وعدم طلب أمورٍ تؤدي إلى الفتنة، إلّا أنّهم بيّنوا له أنّ المقصود من طلبهم، هو نيل البركة، وتحقيق حاجتهم ورغبتهم في الطعام بعد تضييق بني إسرائيل عليهم، ولزيادة إيمانهم وتصديقهم بالحقّ، وشهادةً على معجزات عيسى عليه السّلام؛ إذ إنّ العلم المبني على المعاينة لا تدخله أيّ شبهةٍ أو اعتراضٍ، ثمّ توجّه عيسى -عليه السّلام- إلى ربّه بالدعاء والطلب في إنزال رزقٍ من السماء، وجعل هذا اليوم يوم عيدٍ للاحتفال والابتهاج، والتقرّب من الله تعالى، وشكره على الرزق، فأنزل الله تعالى المائدة عليهم، وتوعّد من يكفر بعد زوالها بالعذاب الشديد
أمورٌ تتعلّق بعيسى عليه السّلام
بيّن القرآن الكريم عدّة أمورٍ تتعلّق بالنبيّ عيسى عليه السّلام، وبمعجزاته، ونبوته، ودعوته، وفيما يأتي بيان بعضها أيّد الله تعالى نبيّه عيسى -عليه السّلام- بعددٍ من المعجزات التي تبيّن صدق دعوته، حيث كان القوم الذين أُرسل إليهم مشهورين بالطبّ، فأجرى الله تعالى على يديه ما يقابل ذلك مع اختلافٍ في الكيفيّة والمستوى، بحيث لا يستطيع أحدٌ أن يفعل مثلها، وهي: خلق هيئة الطير من طينٍ ثمّ النفخ فيها؛ لتصبح طيراً بإذن الله تعالى، والقدرة على تحقيق الإبصار لمن ولد أعمى، وشفاء من أصابه البرص، وإحياء الموتى التنبؤ بما في البيوت من الطعام الذي يؤكل والذي يدّخر، حماية الله تعالى له عندما أراد بنو إسرائيل قتله، مع تشبيه رجل آخر بعيسى، ثمّ رفعه إلى الله تعالى، إنزال المائدة من السماء التي طلبها الحواريون.
أُطلق على عيسى عليه السّلام- عدداً من الألقاب، وممّا ورد منها في القرآن الكريم: عيسى، ابن مريم عليهما السّلام، المسيح، رسول الله، كلمة الله، روح الله، عبد الله، حيث قال الله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ). ينزل عيسى عليه السّلام آخر الزمان، كعلامةٍ من العلامات الكبرى لقيام الساعة، ويبقى لفترةٍ من الزمن؛ لنشر وتعليم الشريعة الإسلاميّة والحكم بها، وذلك لا يخالف أنّ محمداً -صلّى الله عليه وسلّم كان آخر الأنبياء نزولاً، وأنّ رسالته خاتمة الرسالات السماويّة، وقد وردت عدّة أدلّةٍ من القرآن الكريم والسنّة النبويّة تدلّ على نزول عيسى آخر الزمان، وقيل إنّ الأحاديث النبوية التي دلّت على ذلك، وصلت درجة التواتر.